Saturday, November 17, 2012

نماذج من الرأسمالية السعودية .... وخارطة الطريق لنظام مالي جديد !!!

 
نماذج من الرأسمالية السعودية ...... وخارطة الطريق لنظام مالي جديد !!!
 
الدكتور/ سامي بن عبدالعزيز النويصر

رئيس مجلس ادارة مجموعة السامي القابضة

 

 الرأسمالية..... هل نحن جزء منها أم هي جزء منَا؟ وكيف تعاملت أمريكا (أهل الرأسمالية) معها؟ وكيف تعاملنا نحن معها؟ وماهي أبعادها على منهجية تفكيرنا واقتصادنا وحياتنا؟؟؟



أسئلة كثيره يصعب تلخيصها في مقالة واحدة، ولكن لنحاول التركيز على الإطار العام لما له من تأثير كبير على حياتنا الاقتصادية والاجتماعية  حتى تتكون لدينا صورة عامة قريبة للفهم أو قبول الحالة التي نحن فيها أو تصحيح مسارها وهي حالة اقتصادية غريبة الملامح وأشبه ما تكون بظاهرة اقتصادية نادرة، حيث إنها جمعت بين النقيضين في وقت واحد، من ازدهار اقتصادي لشريحة  الدولة مع بعض من القطاع الخاص، وفي المقابل انحسار الطبقة الوسطى والمنشآت الصغيرة وتزايد المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والفجوة التي هي في تزايد!!! حتى أصبح اقتصادنا لايشمل الغالبية العظمى من الناس والنشاطات ومشوه المعالم بصورته وفي تردي باخلاقيات تعامله!!.
تذكرنا المصادر الرسمية بصورة مستمرة أننا نعيش طفرة اقتصادية غير مسبوقة النظير من صرف وفائض مالي ومشاريع عملاقة والوطن في أزهى حلله الاقتصادية من نمو وازدهار!! ولله الحمد على ذلك إذ حققت المملكة نمواً اقتصادياً سنوياً عالياً تجاوز 6.8 % وناتجاً قومياً تجاوز التريليونين ريال واحتياطيات مالية من فوائض بترولية تكاد تكون الأعلى عالمياً على مستوى الفرد تجاوزت  2.3 تريليون ريال ومشاريع تنموية تتجاوز التريليونات ، إلا أنه للأسف فإن المواطن لايشعر بهذا الازدهار الاقتصادي، بل ولا يكترث به وقد أصابه تنميل بعدم الإحساس من سماع الأرقام الفلكية من ميزانية واعتماد مشاريع  وصرفيات وكأنها تخص عالم آخر!!!
ومن الحقائق الاقتصادية التي لا تذكر كثيرا أن المواطن يعاني من دخل متدن فمعدل مستوى دخل الفرد السعودي  يبلغ 6453 ريال/شهرياً ويسبح في بحور الديون أكثر من 86 % من السعوديين على قائمة الديون وتجاوزإجمالي القروض الاستهلاكية للأفراد 277 مليار ريال وبنسبة نمو سنوية عالية جدا تجاوزت 15% سنوياً وبطالة عالية إضافة إلى المعاناة الاقتصادية في الأمور الاخرى من عدم توفر تأمين طبي للمواطنين فضلاً على أزمة سكن غريبة في أراضي شاسعة وبنسبة 67% من السعوديين  يسكنون بالايجار وأزمة كهرباء  وأزمات كثيرة تطال أمور المواطن الأساسية.
كما إن المنهجية المالية السعودية التي تتجلى في سيادة التكتلات الإقتصادية المالية والنقدية والتجارية والحفاظ على سلامتها أكثر من الحفاظ على الفرد/المستهلك هي في حقيقة الأمر رأسمالية.  وإن صح التعبير" الرأسمالية السعودية " بذلك فهي قد تكون أشد بؤساً من الرأسمالية الأمريكية ، حيث إن الرأسمالية الأمريكية جل دفعها الاقتصادي هو الفرد ( المستهلك) بينما نرى أن الراسمالية السعودية تضع عناية الفرد في أدنى مستوياتها الاقتصادية والقانونية والتشريعية والإعلامية.  فكيف نطالب بتوازن اقتصادي ونحن لا نهتم بالفرد وحقوقه وهو محرك المعادلة الاقتصادية للدخل القومي للدولة.
ومن أمثلة الرأسمالية السعودية أننا نرى أن ‍مؤسسة النقد العربي السعودي ومنذ تأسيسها  1370 هـ وبتركيبتها الحالية والتشغيلية تعني بالحفاظ والإشراف أولاً على سلامة القطاع البنكي، وفي آخر قائمة الأولويات إن لم تكن معدومة توعية الفرد والدفاع عن حقوقه وتطوير الأنظمة الخاصة بذلك. وفي نفس السياق نرى أن وزارة التجارة تاريخياً قد دعمت التكتلات التجارية من التجار وفي آخر القائمة اذا وجد ولو حتى مبنى لتوعية وحقوق وحماية المستهلك ودعم المستهلك.
ومن بعض الوقائع  الحية الرأسمالية قامت المملكة بإنقاذ أوربا عن طريق صندوق النقد الدولي بضخ 15 مليار دورلار في الربع الاول من هذا العام، وفي الوقت نفسه لم تتدخل وزارة المالية لإنقاذ السوق المالي السعودي للأسهم منذ كارثة فبراير  2006م بنسبة خسارة تجاوزت الــ 80 % من القيمة السوقية والتي تضرر منها أكثر من أربعة مليون مواطن سعودي ولو بــ 10% من ذلك المبلغ.
كما نرى البنوك التجارية بالمملكة المعدودة الأصابع والمحتكرة للسوق تدفع بقوة في أجنداتها دون أي اعتبار يذكر للتنمية الوطنية والبعد الاقتصادي  وأصبحت كأنها تدور خارج الفلك الوطني حتى أصبحت أرباحها الجشعة والمتضخمة المبنية على العمولات والرسوم  فيها تهديد اجتماعي للوطن من تفكك أسري وتغير ثقافة اجتماعية وفرض هيمنة البنوك على المجتمع  وتآكل دخل الطبقة الوسطى وتسبب نقمة اجتماعية ومؤسسة النقد لا تتدخل للحد من ذلك، بل وتتحايل البنوك بقوة النظام وتدفع بالمواطنين بإغراءات الديون الاستهلاكية وسهولتها ودعاية مستهدفة عدم معرفة العميل بحقوقه اذا وجدت. وفي توجه استراتيجي آخر للبنوك في زيادة الأرباح وأن تحصد مزيداً من الأرباح الخيالية بتقديم قروض لتسديد قرض وبتسديد الدين بالدين علماً بأن هذا خطر مالي معروف في أبجديات العلوم المالية ناهيك عن المحاذير الشرعية!!!!
ومن الوقائع  الاخرى احتياطيات المملكة المالية التي سوف تقارب بنهاية هذا العام الــ 700 بليون دولار ويريد البعض أن يقول لنا إنها لحماية الوطن من تقلبات النفط حيث يمثل النفط 90% من إيرادات المملكة. نقول نعم يجب أن تكون الاحتياطيات لحماية الوطن ومشاريعه التنموية المستقبلية وحقوقاً للاجيال القادمة وتقليل نسبة مخاطر تقلبات أسعار النفط ، ولكن هل من المنطقي أن تكون الاحتاطيات موجودة حصراً تحت مظلة النظام المالي الغربي؟؟ وهل فعلاً نحن في حاجة إحتياطات بهذا المبلغ الهائل؟؟ فربع ذلك المبلغ يفي بالغرض وليس بهذا التركيز الجغرافي في السندات الأمريكية!!! وان تعمل الدولة على تسديد مديونيتها الداخلية والتي هي في تناقص حيث بلغت 137 مليار ريال. و أن نستثمر المبالغ الكبيرة من الاحتياطيات بسخاء ونزاهة وتوجيه مقنن في بناء وتطوير البنية التحتية للوطن حيث إن الوطن الآن بحاجتها الماسة وسوف يكون العائد مجدياً ومفيداً أكثر من لو تركت  في الاستثمار لتمويل عجز المديونية الأمريكية الذي قارب 18 تريليون دولار.  ولم تحقق لنا هذه الاستثمارت بالخارج وخاصة بأمريكا إلا عائداً سالباً وخسارة مع شككك انها بأمان تام و كامل كما يريد أن يقنعنا البعض  بذلك وتزامناً مع تأجيل الاعلان عن رفع سقف المديونية الامريكية من الصيف الماضي وتخفيض درجات الائتمان والعجز المخيف في الميزانية الامريكية والمشاكل الهيكلية بالاقتصاد الامريكي والمشاكل القضائية ضد المملكة ورموزها والتغير السياسي المستمر في السياسية الامريكية ومصالحها.
 وبنظرة اقتصادية عامة فقد أصبح النظام المالي والنقدي السعودي أسير نفسه وتابعاً للنظام المالي الغربي المترنح بل أصبح  يدافع  عن الرأسمالية وحرية السوق أكثر من أم الرأسمالية أمريكا والمظاهرات المستمرة في منطقة (الاكوباي وال) تطالب بإسقاط النظام الرأسمالي لما له من ضرر وعدم جدواه اقتصادياً واجتماعياً ، ومن المطالبات الواضحة هو الحد من قوة الشركات العملاقة والبنوك المستفيدة وكبار مسؤوليها وإعطاء دور أكبر للفرد والمؤسسات الصغيرة والشركات المتوسطة في شؤون الاقتصاد ونحن مازلنا نسبح في بحر الرأسمالية.
وذكر "بوفيس فانسون "في مجلة تشالنجر "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الانجيل لفهم ما يحدث لنا و بمصارفنا لانه لو احترم القائمون على مصارفنا  ما ورد في القرآن من تعاليم و أحكام و طبقوها ما حل بنا من كوارث و أزمات و ما وصل بنا الحال الى هذا الوضع المزري لأن النقود لا تلد نقوداً". أما صحيفة بيرمنجهام بوست فقالت: هذه الأزمة منحت الصيرفة الإسلامية فرصة كبيرة لتقدم للعالم نموذجاً بديلاً عن المصرفية التقليدية ". هذه هي أقوالهم وليست أقوالنا كمسلمين ومن ناحية اخرى هناك من هم بني جدلتنا وعلى منابر عالية مسؤولة يشكك في الصيرفة الإسلامية بل ويحارب المنتجات الإسلامية الخالية من الربا سراً وجهراً!!!
كل ذلك ينذرنا بأننا أمام منعطف  تاريخي متغير و جديد فيجب علينا عدم الاعتماد الكلي على النظام المالي الغربي المترنح وإستبداله بالنظام المالي الإسلامي وإيجاد التوازن الخاص بنا مالياً من سياسة مالية ونقدية وبناء نظام مصرفي ومالي جديد.
فالعالم يريد منَا أن نعرض له قيمنا ومبادئنا ونسوقها، حيث إن ديننا الإسلامي والفكر الإسلامي ثري ومليء بالكنوز والدرر العلمية والعملية والعالم بحاجة إلى هذا الفكر المغاير للواقع التعيس الحالي الذي نعيشه.
العالم ينادي قبلة الاسلام والمسلمين ومنطلق القيم والفكر الإسلامي أن تدعم النظام المالي الإسلامي. فهل من مجيب؟؟ إن لم نؤمن نحن بالمالية الإسلامية وندعمها ونسوقها فكيف سيثق العالم بما لدينا!!! فلا عجب أن يقوم النظام الغربي بصناعة وتسويق  المنتجات المالية الإسلامية والنظام الاسلامي وهل من ثم سوف نقبلها؟؟ علما أن كثيراً من الأنظمة الغربية قد بدأت بتبني وتسويق النظام الإسلامي المالي مثل مجلس الشيوخ  بفرنسا والبنك المركزي ببريطانيا والفاتيكان وأشهر أصحاب الفكر المالي حتى أعرق الشركات المالية الأمريكية المتعصبة مثل جولد مان ساكس وغيرها من المنشآت المالية المعروفة عالمياً تبنت التعامل بالمنتجات الإسلامية المالية والفكر الإسلامي.
إننا نطالب من ولاة أمرنا (هذا الملك العادل حفظه الله وولي عهده الأمين) ان يدفعا بالسياسة المالية والنقدية بالمملكة (وزارة المالية وتوابعها الإدارية) أن تعمل بذهنية متجددة ومنتجة فيها روح المبادرة والقيادة المالية لإعادة تأهيل وتطوير صياغة جميع الانظمة الخاصة بذلك. وخاصة الإقرار بنظام جديد في مؤسسة النقد العربي السعودي لإخراج المنتجات المالية الإسلامية وتطوير النظام المالي الإسلامي إسوة بماليزيا وغيرها من دول العالم الهادف للتنمية المستدامة المبنية على المبادئ الاسلامية ومحاربة آفة الربا.
وأن نعمل جميعا على ألا يكون الاقتصاد حكراً للمنشآت الكبيرة وبعض التكتلات التجارية ورموزها وأن نقوم على دعم الفرد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتطوير وتأهيل أبناء الوطن بأدوات ومنهجية حديثة تواكب متغيرات الزمان وأن نشجع ثقافة الإستثمار والإدخار والانتاج والترشيد وليس الاستهلاك والرأسمالية المبنية على الجشع والأنانية.
وأخيراً علينا أن لا نصر أو نكابر باننا بمنأى عن التقلبات الاقتصادية وأن اقتصادنا متين فحتى القوة العظمى الغنية سابقا أُصيبت بضرر الرأسمالية وانهارت أو ع‍لى شفا حفرة من الانهيار ولنستفيد من دروسنا ودروس الغير، حيث بدأنا نرى ملامح هذا الضرر على اقتصادنا ومجتمعنا وأفضل وقت للمراجعة والإصلاح الاقتصادي هو المرحلة الراهنة  خاصة أننا في قمة قوتنا المالية و ليس العمل على تأجيل و ترحيل المواضيع وإعطاء المدح لبعضنا حتى يكون لنا خارطة طريق لنظام مالي سعودي جديد وشامل لجميع اطياف الوطن.


No comments:

Post a Comment