Tuesday, December 24, 2013

البعد الاقتصادي .. والقرارات العمالية الدولية

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد: 7379   1435/2/20   الموافق: 2013-12-24
  

البعد الاقتصادي .. والقرارات العمالية الدولية

د. سامي بن عبد العزيز النويصر
إن معظم الدول الغربية وأمريكا تعاني أزمات مالية خانقة منذ عام 2008، إضافة إلى ويلات الديون السيادية والوضع الاقتصادي المتردي حتى أضحت هذه الدول أشبه بالعبء الاقتصادي على بقية دول العالم.
بيد أن بعض دول الشرق ''الصين ودول الخليج'' وغيرها تقوم بعملية التمويل والاستثمار في تلك الدول لسداد ديونها عن طريق شراء سندات وصكوك، فالسعودية وحدها لها احتياطات أجنبية تربو على 2.64 تريليون ريال مستثمرة لديهم. ويُعد هذا التمويل ضرورة قصوى لأمريكا وبعض الدول الغربية لضخ الحياة في اقتصادياتهم.
لقد تجاوزت الديون في بعض الدول الغربية نسبة الدين العام لنسبة دخلها القومي، الأمر الذي يعني بالمصطلح المالي أنها مفلسة مالياً! مما حدا ببعض تلك الدول مثل أمريكا لطباعة الأموال وإصدار سندات الدين 75 مليار دولار شهريا ''التسيير الكمي''، ولبيع جزر وعرض مدن للبيع مثل بيع دين مدينة ديترويت بمبلغ 18 مليار دولار وإحدى الجزر التابعة لولاية نيوجرسي بمبلغ 12 مليار دولار بغية تغطية عجزهم المالي مع تعديل وفرض نظام مالي جديد للضرائب أشد صرامة من ذي قبل.
إن كل هذه الخطوات تحمل في طياتها دلائل مهمة منها أولاً أن المشكلة الاقتصادية التي تعانيها تلك الدول ليست مشكلة دورة اقتصادية ''ركود، كساد، ثم تعافٍِ ونمو''، كما يحاول البعض تصويرها والترويج لها، لكنها تمثل مشكلة اقتصادية جذرية في هيكلة الاقتصاد وثقافته، بينما الجانب المهم يشير إلى أن موازين القوى المالية قد تحولت من دول الغرب لمصلحة دول الشرق الممولة مالياً مثل السعودية والصين وغيرها، في حين أصبحت الدول الغربية المهيمنة بقوانينها المالية هي المقترضة والعالة مالياً على العالم.
ورغم كل تلك الإخفاقات الاقتصادية للدول الغربية، إلا أن السياسات العمالية والمالية لتلك الدول تنطوي على قدر كبير من المكابرة وازدواجية المعايير في تعاملها مع بقية دول العالم الأخرى، وفي الوقت ذاته تم تغييب عنصر الشفافية بين صناع القرار وناخبيهم حيال هذه الأزمات المالية الخانقة، وفي هذا الصدد فقد علت صرخات جماهيرية في تلك الدول عرفت باسم ''أوكيوباي وول'' Occupy Wall وتم قمعها في غياب وسائط الإعلام، وقد أظهرت تلك المظاهرات واقعاً مخيفاً للنظام المالي الغربي ومعاناته وويلاته، حيث كانت الاحتجاجات تطالب بمحاربة الرأسمالية المتوحشة والنظام المالي المتهالك والنمط الاستهلاكي المدمر وتبني ثقافة عمل مبنية على الإنتاجية والكفاءة العمالية.
إن الحقيقة الاقتصادية الواضحة تؤكد أن ذلك العليل مالياً ''أمريكا والغرب'' هو من يحكم العالم في ظل مفهوم خاطئ بأنهم هم وحدهم العالم بأكمله ويتبعهم في ذلك منظماته الدولية الثلاث، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وما انبثق عن هذه المنظمات كمنظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين وغيرها.
كما أن صاحب القرار المالي الأمريكي والغربي لا يستطيع أن يقدم حلولاً مالية ناجعة لناخبيه لأنها تُعتبر بمثابة انتحار سياسي له إذ ليس في مقدوره الاعتراف بالمشكلة وحث ناخبيه بتغيير نمط حياتهم وزيادة كفاءة الإنتاج والعمل من خلال إضافة ساعات عمل أخرى وتقليل أيام الإجازات وإلغاء الحد الأدنى للأجور والذي يعد مرتفعاً عن باقي دول العالم والتنازل عن الرفاهية وحياة الترف، كما أنه لا يتسنى له أن يعترف لناخبيه بأن هناك خللاً في أنماط حياتهم مرده الفكر الاقتصادي الغربي الذي تعتريه النقائص. وهنا يكمن الداء إذ لا مناص له من التنصل من دفع الفاتورة الاقتصادية الباهظة وحث دول أخرى لتغطية عجزه المالي، مع أن الغرب يحجم عن تزويد كثير من دول العالم بالتكنولوجيا وفرض أنظمة حماية اقتصادية لمصلحته وافتعال القضايا القانونية والإعلامية وتجميد أرصدة أموال الدول.
إن الفكر الاقتصادي الغربي المترنح بدلاً من تقويمه لمبادئه ونتائج تطبيقه الكارثية يلتف على الحقائق بإصدار أنظمة عمالية دولية عقيمة تُعد أحد أسباب فشل مثل تلك الأنظمة المتعلقة بالكفاءة والإنتاج والحد الأدنى للرواتب والتقاعد و تقليص عدد أيام العمل وساعاته وزيادة أيام الإجازات. والأدهى إضفاء موضوع حقوق الإنسان على هذه الأنظمة بما يتماشى مع مصلحته المتغيرة، وكما قال أحد المفكرين ''إن دول الغرب تتعامل مع موضوع حقوق الإنسان والأنظمة كمن يتعامل مع من صنع صنماً من تمر إن شبع ألّهه وإن جاع أكله!
وقد أشار إلى ذلك أيضاً رئيس الوزراء الماليزي السابق محمد مهاتير في مقالة نشرها في صحيفة Financial Times اللندنية بتاريخ 11/1/2012، حيث تناول مبدأ تعامل الغرب بازدواجية المعايير وتقديمهم حلولاً لغيرهم مختلفة من تلك التي يضعونها لأنفسهم، موضحاً أن دول الغرب قبل الأزمة المالية طلبت عن طريق أذرعتها الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد إبان الأزمة المالية الحادة التي ضربت دول الشرق الأدنى عام 1997 تغيير نمط حياتهم وثقافة عملهم وزيادة ساعات العمل وأيامه ورفع سن التقاعد وإلغاء الحد الأدنى للأجور مع تقليل أيام الإجازات وغيرها. وهذا يدل على أن التوصيات المقدمة من الدول الغربية لدول الشرق كانت مشروطة إذا أرادت التمويل المالي لإنقاذها وأن يعملوا بتلك الوصفة المالية، وعندما أصابتهم الأزمة المالية عام 2008 وحتى تاريخه نراهم لا يتقيدون بالوصفة التي وصفوها لدول الشرق في أزمتها وهم الآن يعانون مثل الويلات السابقة التى أصابت تلك الدول وقد تكون أشد ضراوة منها، بل يطلبون المزيد من المال لتمويل عجزهم دون المساس بنمط حياتهم وثقافة عملهم.
إن بعض الدول الغربية وأمريكا تحاول اليوم القيام بتصدير أنظمتها العمالية البالية تحت حجج كونها منظمات عالمية وحقوقية أو أنظمة جديدة تابعة لمجموعة العشرين أو لمنظمة التجارة العالمية أو غيرها ويتم تسويقها لدى دول الاستهلاك، والتي للأسف نحن في قلبها وكأن مصير دولنا أن تظل مدى الدهر دولاً مستهلكة وغارقة في ديون استهلاكية فلكية حتى ينتفع السوق الغربي والأمريكي ويعاود عافيته المالية بخلق أنظمة دولية على حساب مصير حياتنا وثقافة شعوبنا، وقد يكون رسخ في عقلية الكثير منهم أن الدول الاستهلاكية كالدول الخليجية تعيش فوق بحور من الموارد الطبيعية الهائلة وهذا يخول الغرب وغيره الانقضاض عليها في غياب مطالبة الدول العربية بحقوقها الاقتصادية والقانونية أسوة ببعض دول العالم الأخرى.
من وجهة نظري فإنه ليس هناك دافع لتبني أنظمة عمالية دولية والدفاع عنها وفي ثناياها نمط حياة وأنظمة عمالية بعيدة عن واقعنا وتشكل أحد أسباب فشل الغرب المالي والاجتماعي والأخلاقي، حيث ينطوي هذا الأمر لو قبلنا بأنظمتهم العمالية على كارثتين أولاهما ضعف الإنتاجية وثانيهما زيادة معدلات الاستهلاك المخيفة.
لقد كنا في الماضي نقبل بكثير من النظريات الاقتصادية الغربية على علاتها ودون أي تحدٍ فكري مثل حرية السوق وعدم التدخل الحكومي في الأزمات المالية والديون الاستهلاكية ونمط الحياة البذخي والترف المفرط، إلا أن الأحداث قد أثبتت فشل ومضار كثير من تلك النظريات الاقتصادية وغيرها والشواهد كثيرة في هذا السياق، ولا عجب أن الكثيرين ممن ابتدع تلك النظريات منهم من غير مساره عندما أدرك الواقع الذي هو على النقيض مما كان يرمي إليه، فلماذا نتمسك بتلك النظريات أكثر منهم وهم من ابتدعها وبدأ التخلي عنها؟
ونطالب هنا بضرورة مراجعة الأنظمة العمالية وعدم تقبلها كحقيقة مسلّمة وأنها مطالب اقتصادية عالمية وأن المملكة موقّعة على تلك الاتفاقيات الدولية وليس هناك فكاك منها، خاصة الأنظمة العمالية التي أودعت أمام مجلس الشورى أخيراً للتصويت عليها، و طبقا لبعض التصريحات الأخيرة فإنها ستصيب حياتنا وثقافتنا بعد 90 يوماً.
كما يجب الوقوف على جدوى إضافة تلك الأنظمة العمالية إلى العملية الإنتاجية للفرد والمجتمع السعودي أم أنها ستفاقم نسب الاستهلاك الذي نعانيه وضعف الإنتاجية الذي قد يلازمنا لأجيال مقبلة من قرارات تخفيض ساعات العمل وتقليل عدد أيامه وزيادة الأجور وغيره، لأن مثل تلك القرارات العمالية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة بأنواعها وانعدام الإنتاجية ونشر الثقافة الاستهلاكية والإفلاس الفردي والمؤسسي. فلنبدأ من حيث ما انتهى إليه الغرب وأمريكا وأن تكون لدينا منهجية خاصة بنا وثقافة عمل ناجحة يحتذى بها مثل بعض دول الشرق وليس كما يُصدر لنا من الدول الغربية.

Tuesday, December 17, 2013

متخصص: إدارة الأزمات تستنزف 70% من الدخل القومي للمملكة

الثلاثاء 14 صفر 1435 هـ - 17 ديسمبر 2013م - العدد 16612

متخصص: إدارة الأزمات تستنزف 70% من الدخل القومي للمملكة

 

أبها – عبدالله الفيفي
    كشفت أولى فقرات (إدارة خطة التنمية وتنفيذها) التي صدرت في العام 1395ه - 1975 م ضمن الخطة الخمسية الثانية للمملكة عن بداية حدوث الخلل في العملية التنموية وتأخر الإنجاز في تحقيق الأهداف؛ مما نتج عنه تراكم للسلبيات طيلة هذه السنوات، حيث جاء نص الفقرة "لقد أمكن تحقيق بعض أهداف خطة التنمية الأولى المتعلقة بمصلحة الإحصاءات العامة..)، مقرةً بذلك حالة الإخفاق التي أحدثت في تحقيق الأهداف الموضوعة.
وأفرز قصور مخرجات الخطط الخمسية عن الأهداف الموضوعة لها عدداً من التشوهات في اقتصاد المملكة على وجه العموم طيلة السنوات الماضية، يرافقه انعدام كبير في قياس أداء هذه الخطط وبحث تحقيق أهدافها على أرض الواقع، ويدلل على ذلك ما تضمنته الأهداف العامة للخطة الخمسية الأولى – الفقرة الثالثة تحديداً - في العام 1390 ه - 1970 م والتي قالت بتنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي " كأحد أهم أهداف هذه الخطة، وهو الأمر الذي لم تُلمس نتائجه على أرض الواقع بشكله الفعلي إلى هذا الوقت.
وتظلّ الحاجة ملحة لمراجعة مخرجات هذه الخطط ونتائجها بحسب الاقتصادي الدكتور سامي النويصر الذي أكد أن 70% من الدخل القومي للمملكة خلال السنوات الأخيرة موجه لإدارة الأزمات؛ التي نشأت جرّاء إخفاق نتائج وأهداف الخطط الخمسية للمملكة.
وقال الدكتور النويصر خلال حديثه ل"الرياض" منذ العام 1970م ونحن نعمل على إدارة الأزمات الناتجة عن سوء التخطيط كأزمة السكن والتوظيف والمواصلات وغيرها، وكلها ناتجة عن سوء مخرجات نتائج الخطط الخمسية التي افتقدت للتطبيق على أرض الواقع.
وأوضح أن تباين خطط العمل والأهداف في مختلف الوزارات وعدم توحيدها في خطط استراتيجية موحدة وبآليات متابعة دقيقة ولّد عدم التناسق فيما بين هذه الجهات، كما أنه لا يوجد أي برنامج متابعة أو قياس لنتائج الخطط الخمسية للمملكة خلال السنوات الماضية، وبذلك نستطيع الجزم أن هذه الخطط هي للتطمين فقط لا للتنفيذ، ويجب إعادة تأهيل هذه الخطط تأهيلاً جذرياً، وتُعمل استراتيجيات ذات أدوات رقابية فعّالة لقياس أدائها، وبحث مدى ترابط أداء الجهات الحكومية المختلفة نحو أهداف محددة وموحدة.
وذكر أن ما تم إنجازه خارج إطار أهداف الخطط الخمسية يتجاوز بمراحل كثيرة ما أنجز بداخلها، مشدداً على ضرورة تفعيل قياس الأداء ؛ كونه المحك الرئيس لقياس مدى نجاح الخطط الموضوعة من عدمه مع إدخال أساليب التطوير الحديثة على هذه الخطط كالمكننة والتحفيزات وغيرها ضمن رؤية شاملة على منظار أكبر.
وحول كلفة أهداف الخطط الخمسية السابقة التي لم يتم تحقيقها قال الدكتور النويصر تتكشّف كلفة هذه الإخفاقات في تحقيق نتائج الخطط السابقة عبر الأزمات التي نعايشها في السنوات الأخيرة كأزمة السكن والتوظيف والعشوائيات وتوسع المدن وإرهاق بناها التحتية والفوقية والمواصلات.
وأضاف ان هناك استنزافا كبيرا في الدخل القومي للمملكة من خلال الإنفاق على كثيرٍ من المشاريع التي من المفترض إقامتها في الخطط الخمسية القديمة.

Sunday, December 8, 2013

اقتصادي لـ«الجزيرة»: غياب «الأدوات» يعرقل أداء لجنة المنازعات المصرفية

 
 Sunday 08/12/2013 Issue 15046 الأحد 04 صفر 1435 العدد
الجزيرة - نواف المتعب:
قلل خبير اقتصادي من قدرة لجنة المنازعات المصرفية على أداء مهامها بالشكل الكامل، مرجعاً السبب إلى غياب أدواتها التي تمكنها من الوصول إلى الحقيقة. وقال الدكتور الدكتور سامي النويصر لـ«الجزيرة» إن لجنة المنازعات المصرفية تواجه عدداً من التحديات التفصيلية المهمة، ومنها غياب أدوات اللجنة للتحري والوصول للحقيقة وتسهيل إجراءات التقاضي، موضحاً أنه يجب أن تكون هناك لجاناً استشارية من خبراء وهيئات يستعان بهم، لزيادة الاعتماد على ذوي الخبرة والنظر في مجال المال، حيث إن المعاملات المصرفية تشعبت بالنوع والكمية، وزادت بالتعقيدات، وأيضاً هناك مستجدات إلكترونية وأنظمة عالمية، ومحاربة غسيل الأموال إلى إعرف عميلك، ولإفصاح ونظام التوافق بالأنظمة، والضرائب وغيره.
واستعاد النويصر ظروف نشأة اللجنة قائلاً: تم إنشاء لجنة فض المنازعات المصرفية عام 1407هـ بمرسوم ملكي رقم 729/8 حيث كان الأمر قبل ذلك متروكا للقضاء الشرعي، أو الصلح أو بين البنوك والعملاء، وأتذكر آنذاك أن مجلة التايمز الأمريكية كتبت مقالة أن كثيراً من المدينين مالياً بالمملكة يتحولون إلى متدينين شرعاً عندما يصبح عندهم عسراً مالياً، وذلك بأخذ البنوك المطالبة بحقوقها إلى الجهات الشرعية والامتناع عن الدفع بزعم العامل الربوي.
ونوه النويصر بأنه كان من الطبيعي وجود تحدي كبير للجهات المسؤولة بالمملكة، وعلى أعلى مستوى لتقرر فصل الأمور المصرفية عن باقي المحاكم والأمور التجارية والجنائية وما إلى ذلك، حفاظاً على مكانة وسمعة وقوة الوضع المالي وحقوق الناس. واستطرد قائلاً: منذ ذلك التاريخ ولجنة تسوية المنازعات المصرفية تعمل بكل طاقتها، وقد يكون أكثر من طاقتها، حيث يتم الفصل والحسم في القضايا المصرفية المراد الحكم منها، وتعمل على تحرى الحقائق مستعينة بإدارة الرقابة المصرفية والعمليات التابعة لمؤسسة النقد العربي السعودي، وتبذل جهداً كبيراً وقد يكون كما ذكرنا أكبر من طاقتها وإمكاناتها حيث إن مسماها يشير إلى أنها لجنة وليست محكمة أو ديوان، وهذا المسمى عادة ما يكون محدود الصلاحية والفعالية، والإشكالية الأخرى أنها تسوية المنازعات (وليس الفصل) أيضاً محدودة الإمكانية القضائية أو الإدارية.
ويشير النويصر إلى أنه في العام 2012 صدر المرسوم الملكي بتطويرها أسوة بباقي مرافق القضاء التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ومن ذلك تعديل اسمها من لجنة تسوية المنازعات المصرفية إلى لجنة المنازعات المصرفية حيث إن الاسم الأول يشير إلى حكمها هو عملية تصالح وتحكيم بينما الاسم الثاني يشير إلى عملية تقاضي وفصل وأعم وفي ذلك معنى أكبر وأقوى يحسب لأهميتها القضائية والاقتصادية، كما دعم القرار الملكي نفسه بأن تكون هناك لجنة استئنافية، والحكم ليس مقصوراً على الحكم الأولي للجنة المذكورة، وفي هذا أيضاً قوة أخرى تحسب لها في درجات التقاضي وتعطيها أيضاً القوة القضائية والاقتصادية المطلوبة منها.
وشدد الخبير الاقتصادي على أنه يجب على مؤسسة النقد تقديم دعم أكبر وأكثر للجان الرقابة المصرفية، والعمليات التابعة للمؤسسة بالتدريب والتطوير والكوادر والحوافز، لأهمية هذا المرفق في درء المشاكل المالية مع المصارف والرقابة المصرفية الصارمة على البنوك المطلوبة وتجميع الأدلة للقضايا.
وأضاف: يجب إيجاد تنظيم من النواحي اللوجستية الخاصة، وأن يكون لها فروع لجان بمؤسسة النقد موزعة على مناطق المملكة، داعياً إلى ضرورة تسهيل الوصول لتلك اللجان وإمدادها بالكوادر الحرفية التي تخدم المتصل والمتقاضي، وهو مايعني الحاجة إلى دعم أكبر في جميع النواحي الإدارية والتنظيمية.
واختتم قائلاً: أفضل الطرق لتفادي زيادة الكم الهائل من القضايا المصرفية هو زيادة الوعي والتثقيف لعملاء المصارف، وإعطائهم حقوقهم، ووجود رقابة صارمة على البنوك والعمليات المصرفية، وكما يقال درهم وقاية خير من قنطار علاج.

Thursday, December 5, 2013

في مواجهة التحديات الاقتصادية .. الحج نموذجا

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد: 7360   1435/02/01   الموافق: 2013-12-05

في مواجهة التحديات الاقتصادية .. الحج نموذجا

د. سامي بن عبد العزيز النويصر
إننا لو نظرنا إلى وضعنا الاقتصادي العام في المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشرفين - حفظه الله - مقاليد الحكم منذ عام 2005 حتى تاريخه، وتزامناً مع التحسن الكبير لأسعار النفط الذي تجاوز الـ 100 دولار للبرميل في عدد من السنوات، ما نتج عن ذلك نمو اقتصادي كبير (من 1،4 تريليون ريال إلى ما يزيد على 2،8 تريليون ريال) وسداد ديون الدولة (من 365 مليارا إلى أقل من 90 مليار ريال) وبناء احتياطيات مالية فائضة خارجية (من 848 مليار ريال إلى 2،64 تريليون ريال) بما يشكل طفرة اقتصادية بجميع المعايير، والتي من المفروض كذلك أن تكون قوة اقتصادية كبيرة تحسب لمصلحة الوطن ورفاهية المواطن بين الأمم.
إلا أن الواقع لا يعكس ما هو مطلوب منه، فالكثيرون يشتكون من تردي الوضع الاقتصادي، منهم متذمر وبعضهم متضرر، وهناك من يقول نسمع ضجيجاً ولا نرى طحينا. والغريب في الأمر أن هذا التضجر والاستياء الاقتصادي يحدث بينما الاقتصاد الوطني يعيش أبهى حلله الاقتصادية من ازدهار ونمو، فكيف سيكون الحال لو حدث في الدورة الاقتصادية كساد اقتصادي فماذا سيكون الشعور وقتها؟
إن كل هذا يعتبر خللاً وفجوة اقتصادية بين الواقع والمأمول واضحة الملامح، وليس من المستبعد أن يرى حتى بعض أصحاب القرار الحكومي في الاقتصاد ذلك التناقض الكبير فيصاب بدهشة أو إحباط أيضا.
وقد يقول البعض إن أغلبية الإنفاق الحكومي والاستثمارات والمشاريع الحكومية هي بطبيعتها استثمارية رأسمالية وطويلة المدى ولا تعطي ثمارها إلا بعد العديد من السنين فلا يجوز الحكم عليها الآن مفترضين عدم استمرار تعثر المشاريع، وإذا ما كانت هذه المقولة مقبولة لدى البعض فلماذا لا تكون هناك أولويات للأمور الآنية التي تمس اقتصاد المواطن, وهو ينزف اقتصاديا بحيث يكون هناك توازن بين الحاجة الملحة من أمور تمس حياته اليومية ومشاريع قصيرة ومتوسطة المدى بدلاً من الاندفاع للزمن البعيد الآجل؟
لا نريد أن نضيف على ما يذكر ما حاجة المواطن وما همومه الاقتصادية التي أصبحت معروفة للجميع، المتمثلة في: تدني دخل الفرد، ديون استهلاكية فلكية، بطالة عالية، عدم امتلاك الأغلبية للسكن، فقر، وسوء الأحوال الصحية والتعليمية ومشكلات المواصلات والطرق، وتعثر مشاريع، وبيروقراطية حكومية مقيتة تميل في معظمها إلى ضياع المسؤولية واللامبالاة وسوق أسهم في غيبوبة منذ عام 2006، وسوق عقار أصبحت في ارتباك وحالة ترقب بين القرض والأرض، وسوق عمالة تترنح، وبنوك نائية بنفسها عن التنمية الاقتصادية، وعدم وجود بيئة تشريعات وأنظمة مالية حديثة تخدم الأهداف الاقتصادية وحاجة المواطن، وغيرها من الهموم الاقتصادية.
يقول بعض المؤرخين الاقتصاديين إن أغلبية هذه الأنظمة والقوانين المالية المعمول بها في المملكة لها جذور مستوردة من إبان عهد محمد علي باشا في مصر ولا نزال نعمل بها مع إضافة بعض التعاميم حتى تكونت لدينا ثقافة وعقلية تميل إلى تعقيد الأمور واتسام الأداء الحكومي بطابع التوجس والشك وضياع الوقت والمسؤولية والحصول دوماً على أكبر قدر ممكن من الضمانات، وبذلك ينشغل الأغلبية في عملية التأكيد والتفنن في التعقيدات، ومن ثم تكون النتيجة نسيان الهدف الاقتصادي الكبير والانشغال بصغائر الأمور بعيداً عن خدمة الوطن ورفاهية المواطن.
كما أن هناك مشكلة أخرى متمثلة في الاجتهاد لإصدار قرارات وفي معظمها للقفز على النتائج رغبة في حل المشكلات دون متابعة التسلسل والتدرج التنفيذي ومن ثم تأتي القرارات في أغلبيتها مبتسرة وناقصة، أو تكون متضاربة بين الوزارات المتعددة، بحيث تتصرف كل وزارة من وزاراتنا المرموقة وكأنها جزيرة ذات سيادة مستقلة عن الوطن، بذريعة أنها صاحبة المهمة الصعبة والاندفاع الوطني.
وكأن القرار أصبح نصاً مقدساً لا يجوز المساس به وأن يُترك للأيام لتحكم عليه دون أي اكتراث لعنصر الوقت والتكلفة. وقد تكون هذه مشكلة ذهنية وإدارية، لكنها في الوقت نفسه مدمرة إذا لم يتم الالتفات إليها ويمكن أن تؤدي بأهلها إلى التهلكة تماماً كمن يهدم بيته بيت العز بيده!
إن المشكلة
لا تكمن في وفرة أو ندرة المال ـــ ولله الحمد ـــ فالمال وفير لدى الدولة، خاصة في هذه المرحلة الذهبية من الدورة الاقتصادية التي نعيشها، لكن المشكلة تكمن في الخلل في إدارة المال، وعنصر الإدارة بصفة عامة وعدم وجود الاستراتيجيات الحديثة الشاملة والمنظومة الاقتصادية المتكاملة والمرتبطة مع جميع الوزارات الحكومية كترسانة واحدة حتى الوصول للمواطن والتواصل معه.
الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، فمثلاً نجد أن الدولة رصدت لوزارة الإسكان مبلغ 250 مليار ريال لتنفيذ 500 ألف وحدة سكنية منذ عام 2011، لكن لم ولن تستطيع وزارة الإسكان وحدها أن تقوم بهذه المهمة الوطنية على أرض الواقع (حل مشكلة الإسكان وتأمين سكن للمواطن )، وهذه هي الحقيقة والأيام ستكشف ذلك أكثر نظراً لعدم وجود ترابط اقتصادي وإلزامي يخول أي وزارة معنية بهدفها بريادة وقيادة جهات عديدة من الوزارات والجهات الحكومية.
ومثال آخر نرى فيه كيف وصل إليه مصير نظام الرهن العقاري الذي طال انتظاره فجلس المختصون يحضرون له لأكثر من عشر سنوات حتى كتبت عنه الصحف العالمية وطبعاً المحلية بوصفه الحدث الأكبر اقتصادياً، وحقيقة الأمر أنه بعد أكثر من عام من صدور قراره لم ير ذلك الحدث المنتظر واقعه وجدواه، وقد يكون ذلك لعدم ترابط الجهات الحكومية ولعدم وجود البنية التحتية المالية الكاملة والشاملة والبيئة التشريعية الحديثة وبالطرق الشرعية.
والأمثلة الاقتصادية كثيرة ومتعددة في هذا الصدد، والمشكلة الكبرى الأخرى تتمثل في غياب تمثيل صوت للمستهلك، فهو غائب ومبني للمجهول في واقعه (التطوير والإبداع وإيجاد الفكر الاقتصادي والتوعية والحماية والتشريعات والدفاع عنه وتنظيم وتبادل المعرفة وغيره) أسوة بالغرف التجارية للتجار أو غيرها من اتحادات، علماً بأن المستهلك/ المواطن الغائب هو قلب المعادلة الاقتصادية.
وفي الجانب الآخر من الصورة، هناك جانب مشرق نجد فيه نجاحات كبيرة يجب الاقتباس والاستفادة منه والبناء عليه، حيث إننا نجحنا وننجح في إدارة ''مواسم الحج'' بترتيب وتعاون وتنسيق واستراتيجيات بين جميع الوزارات الحكومية والجهات الرسمية وبرامج الطوارئ والمتابعة والدراسات والقيادة والريادة المبهرة في الجوانب كافة.
وهذا يقف خير دليل على أنه متى ما توافرت الإرادة والإدارة والمسؤولية الموحدة فإنها تكون بمنزلة المرجعية الناجحة ولتطبق في الجوانب الاقتصادية كافة التي تمس حياة المواطن لما لها من علاقة أمنية كبرى وأن نضعها في سلم الأولويات.
علماً أن إدارة موسم الحج أصعب من جميع المسائل الاقتصادية وأدق في مكانتها الدينية ولها خصوصية ومحدودية في الزمن والمكان والتحرك وتشمل أيضاً جميع التحديات الاقتصادية المذكورة.
وأقترح الاستفادة من الترتيب الإداري والتنفيذي ذاته الموجه لمواسم الحج ليستوعب ترتيبات مماثلة لمعالجة الأمور الاقتصادية التي هي لا تقل أهمية عن الأمن السياسي وأن تدار بالوسائل الإدارية نفسها وألا يُترك الجانب الاقتصادي وتحدياته كما هو عليه الآن لكل وزارة شأن يعنيها بينما يمضي الوقت والفرص تضيع والتحديات تزيد ونتوقع نتائج مختلفة في حين أن الأسلوب هو نفسه بدون أي تغير والمتضرر من ضياع الوقت ومعالجة الأمور - لا سمح الله - في النهاية هو الوطن والمواطن.