Wednesday, January 1, 2014

القروض الاستهلاكية للأفراد ومخاطرها

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد: 7387   1435/02/28   الموافق: 2014-01-01

القروض الاستهلاكية للأفراد ومخاطرها

د. سامي بن عبد العزيز النويصر
مشكلة القروض الاستهلاكية أضحت ككرة الثلج التي تتدحرج بيننا منذ أكثر من عشر سنوات، حتى أصبحت اليوم واقعاً مريراً يعانيه أكثر من 2.5 مليون موظف في القطاعين العام والخاص في المملكة، أي أن أكثر من 90 في المائة من موظفي المملكة يعيشون على القروض الاستهلاكية وكأنهم مرهونون لمصلحة المصارف لسدادها! وحيث إن معدل كل موظف في المملكة يعول ستة أفراد علاوة على نفسه، وبذلك يصبح المعنيون من تلك القروض 17.5 مليون مواطن سعودي من أصل21 مليونا، أي أكثر من 83 في المائة من السعوديين يعانون هذه المعضلة المالية، فكيف يمكن السكوت عنها وهي بهذا الحجم وأكبر منه؟
القروض الاستهلاكية هي الأشد ضرراً على مستوى الأفراد والمجتمع والاقتصاد بعكس القروض الإنتاجية والاستثمارية، التي فيها أصول ونمو وقابلة للربح، بينما القروض الاستهلاكية هي المدمرة للمجتمع وأخلاقياته ومكانته بين الدول، إذ في كثير من الأحيان قد تغير الضغوط المالية أخلاقيات الناس والمجتمع، خاصة إذا وصلت للرقم المخيف الذي تجاوز اليوم مبلغ 326 مليار ريال.
لقد صار المواطن يعمل لسداد قروضه، وما إن يخرج من القرض الأول حتى يدخل في قرض آخر وهكذا الدائرة المدمرة تتوالى عليه وعلى أسرته وكيانه بمرور الأيام، حتى أصبح 30 في المائة على أبسط تقدير من دخله الشهري محجوزا لسداد القروض الاستهلاكية، والباقي من دخله موزع 40 في المائة لسداد سكنه بالإيجار(علما بأن 67 في المائة من السعوديين يسكنون بالإيجار)، بينما 30 في المائة من باقي دخله يخصص لسداد متطلبات الحياة الأخرى المرتفعة أكثر من غيرها في كثير من الدول مثل الاتصالات والمواصلات ورسوم العمالة والتعليم والصحة، ونمط حياة استهلاكي جديد فرض نفسه في الحقبة الأخيرة. فكيف يستطيع المواطن أن يعيش في تلك المآسي المالية على ثلث دخله المتدني وهو مكبل ويصرخ طالباً من الدولة إنقاذه، ولا غرابة في ذلك حين ارتفعت أصوات تطالب بأكثر من 17.6 مليون تغريدة (تعادل تقريبا عدد المتضررين) بحملة # لتعديل الرواتب في سبيل الحياة الكريمة.
مشكلة القروض الاستهلاكية ليست فقط مشكلة أفراد أو ضمانات بنكية مبالغ فيها من قبل المصارف، أو غياب نظام تحصيل مقنن للشركات والأفراد المحصلين أو سجل ائتماني للأفراد تابع للمصارف أو انعدام أنظمة حقوقية تحمي المقترض من تعسر مالي ليس من باب الاحتيال، وغير ذلك من الأمور المهمة التي هي الأخرى مأساوية، ونطالب بحلول آنية لها أيضا، بل تجاوز الأمر إلى أن أصبحت القروض الاستهلاكية واقعاً مريراً ومشكلة أفراد نتيجة لعدم إمكانية السداد، وبالتالي أصبحت مشكلة اجتماعية كبيرة غير محدودة الآثار. ولنا أن نتصور التأثير السلبي الأسري في أصحاب القروض، والأذى النفسي والاجتماعي الذي يعيشونه يومياً خلال مدة سنوات القرض ومضاعفاته، ولا مبالغة إذا قلنا إن تلك القروض أصبحت كارثة اجتماعية قد تغير سلوكيات وأخلاقيات المجتمع برمته من مجتمع سعودي محافظ يتحلى بقيم العروبة والإسلام إلى مجتمع مادي بحت، ومن دمار للأخلاق والمال كما هو حادث لبعض الدول الغربية والغنية سابقا.
وقد يتجاوز تأثير القروض الاستهلاكية الحد الاجتماعي ويتطور إلى احتمال توليد بؤر عنفية وبيئة خصبة للانحرافات الفكرية والاجتماعية. والبعد الآخر لتلك القروض الاستهلاكية وتناميها المخيف أنها أصبحت عقبة أمام الحلول والتنمية الاقتصادية التي قد تحاولها الدولة كتفعيل حلول مسألة السكن وغيرها.
لا بد من الوقوف على الأسباب الرئيسة لدوافع القروض الاستهلاكية حتى نتستطيع أن نصف الحل الناجع للخروج من هذا النفق، وهي كالتالي:
1 - غياب الوعي المالي بين المواطنين، خاصة العامة، وأهمية دور التخطيط المالي والالتزام به مع انعدام جمعيات حقوقية للدفاع وتوعية حقوق المستهلك مالياً، وهو الضعيف مالياً وقانونياً وإعلامياً أمام التكتلات المنظمة الأخرى من مصارف وأذرعتها وتحصيلها، ما دفع بكثير من الناس لتلك القروض دون حسبان لعاقبة الأمور وتجاوز الآخرين بالتعدي على حقوقه.
2 - وجود قوى شبه احتكارية ممثلة في جهات الإقراض الخاصة من تحصيل وسجل ائتماني، وعدم تدخل مؤسسة النقد السعودي، وهذه المصارف هي الجهة القوية والحريصة تماماً وفي الغالب على تعظيم سهولة زيادة الربح وتقليل نسبة المخاطر، مكتفية بإسهام شكلي يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية وتسلم شهادات تقدير عليها.
3 - الترويج الإعلامي القوي للقروض الاستهلاكية والإغراء بالعبارات القريبة من نفسية المواطن مثل "ما ضاقت إلا فُرجت.... وخلي العقل يطير... إلخ"، ومع الأسف فإن تلك الشعارات هي كمن يدس السم في العسل، ناهيك عن البروز الإعلامي الواضح للبعض الذين يُشار إليهم بالبنان ودفاعهم المستميت ضد من يحاول معرفة حقيقة قروض المصارف ويناقشها.
4 - كارثة سوق الأسهم عام 2006 عندما هوت السوق من قمتها 20635 نقطة، وخسرت الأموال وتبخر من قيمتها السوقية أكثر من تريلوني ريال، وبضرر أصاب نحو أربعة ملايين مستثمر في سوق الأسهم وتبخرت الأموال، خاصة مدخرات الطبقة الوسطى التي خسرت أكثر من 73 في المائة من قيمة أصولها. وكان لهذا الجانب استفسارات عدة منها لماذا في الأساس فُتحت السوق المالية للأفراد ببداية كبيرة، ولم تكن هناك جاهزية لسوق الأسهم من أنظمة وتشريعات ومكننة وحقوق مالية متكاملة مثل أي جهة مالية دولية؟ كما أن معظم المصارف لم تهتم بتلك المعايير ولم تعر أدنى اهتمام لأبسطها من أنظمة البنية التحتية للبيع والشراء الخاصة بالمصرف والمعروفةOMS (Order Management System، بل كان جل هم المصارف تحقيق الأرباح السريعة وتقديم ديون بجانب القروض الشخصية ورهن الأسهم بما يعرف بحساب الهامش Margin Account وحث موظفيها لاصطياد عملاء جدد للمصرف، خاصة ذوي الأرصدة العالية، وسعيها للوصول للمتداولين دون أدنى معايير الحرفية وتحمل المخاطرة وغيرها. بأن تلاشت مدخرات المواطنين وزادت مبالغ القروض الاستهلاكية ومع ما ذكر حتى أصبحت قروض الأفراد الاستهلاكية واقعا مرعبا يعيشه المواطن والوطن وبعيدة عما يصبو إليه ولاة الأمر من رفاهية المواطن والأمن الاقتصادي. فكيف السبيل لحلها؟

No comments:

Post a Comment