- الثلاثاء 06/04/1433 هـ
- 28 فبراير 2012 م
- العدد : 3908
الاستثمــار خــارج الحــدود مـا لــه ومــا علـيــه
د. سامي النويصر *
إن عملية الاستثمارات وتدفق الأموال العربية الخليجية في النظام المالي الغربي في أوروبا وأمريكا أصبحت تحفها العديد من المخاطر خلافا لما كان يعتقد بالماضي القريب بأنه أفضل وأضمن القنوات الاستثمارية لرؤوس الأموال وكملجأ وأمان وفرص استثمارية ذات تركيبات تتسم بالسرية والمهنية المصرفية أو لأسباب سياسية أو غيرها من الأسباب. وفي الوقت الراهن فإن أصحاب المال في تلك الدول سواء في أوروبا أو أمريكا يفكرون جديا، بل إنهم شرعوا في بدائل استثمارية بهدف حمايتهم من تهاوي ذلك النظام المالي الغربي الذي أصبح مشكوكا في أمره، حيث يسعى البعض منهم إلى التقليل من نسبة ذلك الخطر بالبعد عن مناطق استثماراتهم الجغرافية، وذلك إما من خلال التنوع الاستثماري الجيوغرافي أو الاستثمار في بعض الدول النامية (افريقيا، الصين، الهند، روسيا، البرازيل، افريقيا الجنوبية) أو الاستثمار التصنيفي البعيد عن أدواته المالية والتعامل بالذهب وغيره من السلع، ولا عجب في الارتفاعات الهائلة في تلك الأصول وقيمة المحافظ الاستثمارية بتلك الدول. إن كل ذلك وغيره ومنذ عام 2008م (تاريخ بداية الأزمة العقارية ـ سب بريم ـ ومن ثم سقوط بعض أعرق البيوت المالية ـ ليمن برذر وغيره ـ وبعدها تعثر الديون السيادية لتشمل دولا في قلب وصميم النظام الرأسمالي إلى جانب تخفيض التصنيف الائتماني لبعض أهم تلك الدول أمريكا وغيرها) ينذرنا بأننا أمام متغير مالي جديد لم تتضح معالمه بعد نظرا لأن هذا التغير لم يعد مشكلة دورة اقتصادية (كساد ونمو...) بل هي مشكلة أساس هيكلة الاقتصاد وأنه كذلك لا يخدم أبسط المبادئ الإنسانية التي كان ينادي بها (العدالة والقيم)، بل إنه لا يخدم البعد الاقتصادي ( التفاوت الكبير الطبقي ـ الطبقة الغنية تزيد ثراء في حين تتلاشى الطبقة الوسطى ـ وتوزيع الثروات) وما يصاحب ذلك من ارتفاع الأجور وغلاء المعيشة ونسب البطالة المرتفعة والخسارة التنافسية الكبيرة لدول نامية في صناعتها وتحول في منتجاتها وقطاع صناعتها (من قطاع صناعي إلى قطاع خدمي ومن ثم من خدمي إلى كمي) وبدء العد التنازلي لنظام مالي مضطرب (مظاهرات شعبية عارمة في أمريكا وأوروبا وفي معقل أسواقه المالية لما تعانيه شعوبها من اضطهاد مالي أشبه ما يكون بالاضطهاد السياسي المعروف بالربيع العربي الذي أطاح بقادة وحكومات عربية).
إننا الآن نسمع عن الربيع المالي الغربي وشعارات تطالب بالإطاحة بالنظام المالي «يسقط النظام ـ الربيع المالي الغربي، حيث تمت الإطاحة برئيس وزراء اليونان وإيطاليا وقد يأتي الدور قريبا على آخرين»، حيث يترنح النظام في محاولة يائسة للسيطرة على أدواته المالية والنقدية ومن نتائج ذلك أن أصبحت الصكوك والسندات المصدرة من طرفه (النظام المالي الغربي) غير ذات جدوى للطرفين المستثمر (دول الخليج) من ناحية التقييم الاستثماري Based on Valuations- والمستلف / المدين (الدول الغربية وأمريكا) وذلك تماما كصب الزيت على النار، فقدت السياسية النقدية فعالية أهم أدواتها لا دارة الاقتصاد (الفائدة) Discount rate and Fed Rate أو بالتوسع أو الانكماش Expansion/ Contraction ومن الناحية المالية يتم استخدام مصطلح مالي جديد (التسهيل الكمي للمال Ease Quantitative Money أي المزيد من طباعة المال لتغطية العجز بدون أي قاعدة أو أساس مالي).
ولو أمعنا أكثر في الاستثمارات العربية وبالأحرى الخليجية والتي كانت تبحث في الماضي والحالي (تزيد على 1.5 تريليون دولار أمريكي (احتياطيات وأصول استثمارية وتغطية عملات واستثمارات سيادية وغير سيادية) وفي ظل توجه استثماري بتاريخ 5 ديسمبر 2011 من إحدى العواصم الخليجية صوب إحدى عواصم ذلك النظام الذي أصبح دينه يفوق إجمالي دخله بعرض استثماري يتجاوز التريليون دولار أمريكي !! (التريليون = 1000 بليون، البليون = 1000 مليون) لتمويله، لوجدنا أن هذا الأمر هو توجه غير واقعي ومستفز للفكر المالي والاقتصادي ولا يحمل أسبابا منطقية مقنعة لمواطنيه، نقول بالمصطلح المالي إنها أموال جيدة تلاحق أموالا رديئة في واقع رديء، والحال أشبه ما يكون في هذا المسار بعدم دراية للبعض وبأنه حلم وأمان لهم عن علوم مالية سابقة قد تبخرت مع متغيرات العالم الحالي المالية والسياسية والقضائية والإعلامية ولنكن أكثر تحديدا وباختصار: إن المتغيرات المالية في النظام الرأسمالي مخيفة وفي انحدار سريع لدرجة أننا أصبحنا نسمع ونرى إفلاس كيانات ودول عريقة، بل إن دولا أخرى كثيرة من ذلك النظام على شفا حفرة من منزلق الإفلاس ناهيك عن الانهيارات المالية والعقارية والصناعية والخسائر الفادحة ولجوء بعض الدول مثل أمريكا لبيع بعض من أصولها (جزيرة ملك للحكومة الأمريكية ـ ريبة من نيوجرسي معروضة للبيع لتتمكن من سداد جزء من خدمة دينها العام الذي تجاوز 16.2 تريليون دولار)، إنها أرقام تاريخية وضخمة ومخيفه بجميع المعايير خاصة أنها تمس النظام بهيكلته وليس بدوره الاقتصادي في ظل تزايد الدين العام المضطرد والذي ولا يلوح له بريق أمل إصلاح اللهم إلا الإصلاح الشكلي!.
أما عن المتغيرات السياسية فإن هذه الدول وعلى لسان أرفع قادتها كشفت عن حقيقتها وأصبحت تقول وبدون تردد أن مبادئها هي مصالحها ويحق لها أن تفعل ما تريد للحصول على موارد مصالحها، وأننا الآن أمام تغير جذري حيث إن هذه الدول كانت سابقا تلقي علينا محاضرات عن المبادئ في حقوق الإنسان والديموقراطية وتغني وتطالب بالسلام وحرية الإنسان للجميع وغيرها من المبادئ القيمة، إلا أنها الآن أصبحت على النقيض من ذلك التوجه سرا وعلانية وبدون أي تردد، وآخر تصريح في هذا المقام كان للمتقدم الرئيسي بالحزب الجمهوري الأمريكي جون مكين وقالها بوضوح تام: إن مصالحنا هي مبادئنا! فنحن عندما نستثمر في تلك الدول بأي من الأدوات المالية سواء كانت صكوكا أو سندات أو ملكية أو أسهما أو غيرها، فإننا في حقيقة الأمر ممولين لذلك النظام المجهول المعالم بوضعه الحالي وبمبادئه المستقبلية والذي هو في ذات الوقت القوي عسكريا وإعلاميا وقضائيا فكيف نضمن استرجاع حقوقنا المستثمرة فيه؟ وكل من استثمر لديه أو ظل على علاقة استثمارية معه هو في حقيقة الأمر دخل في معايير الإفلاس المالي حيث تجاوز نسبة دينه 100% نسبة دخله والحال أنه الأقوى في كل الجوانب فكيف أضمن أن أقرضه المبالغ ثم أطالبه باسترجاعها متى ما رغبت أو احتجت!
فمن الناحية القضائية وما تدعيه تلك الأنظمة الرأسمالية فهي مسخرة لأهدافه وبالرغم مما تدعيه من حيادية واستقلال للقضاء إلا أن الواقع من دروس الأيام يقول لنا إن العكس هو الصحيح ويجب أن لا ننسى القضايا المالية التي رفعت على بعض وإحدى أهم الدول العربية والاسلامية لمحاولة النيل من نظامها البنكي ورموز بلادها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ! ناهيك أنه لا تزال هناك العديد من القضايا المالية المستمرة التي ذهب ويذهب ضحيتها من تجار ورجال أعمال عرب وخاصة بدول الخليج حيث إن آخر قضية ذكرتها العربية نت تمثلت في خسارة لعائلة سعودية مرموقة وعريقة بالتجارة لمبلغ 383 مليون دولار أمريكي تبخرت لصالح أحد البنوك الأمريكية.
والمحزن في هذه القصص الحكومية والمؤسسية والفردية أنها تمس مدخرات أجيال عربية وإسلامية تتلاشى أمام وحشية نظام مالي ومصرفيين غربيين أقروا بأنفسهم بأن هذا النظام قد فقد أخلاقياته وأصبح علماء النفس الغربيون يشيرون بدراساتهم الأخيرة إلى المصرفيين الغربيين بأنهم كـ «القوارض والثعابين» فكيف نأمن من ثقافة عالمية قائمة على ذكاء الانتهاز والتصيد للآخرين تحت حجة القانون وعلى نظام أشهر سيف القضاء علينا وبأي حجة ودافع له لكي ينال ويحصل على ملكية أموالنا ومصادرتها بقوة قانونه لتوزيع الغنائم ونحن لا نرى أو نسمع على أرض الواقع عن مرجعية قضائية أو قوى موحدة عربية أو إسلامية خاصة لتدافع ولتحمي المدخرات العربية ورجال الأعمال العرب والمسلمين في العالم الغربي على غرار ما تفعله منظمات اليهود ـ ايباك.
أما من الناحية الإعلامية فالإعلام الغربي موجه بدون شك وبمهنية في بعض الأوقات وأحيانا بوحشية وكلتيهما لخدمة مصالحه وليست تلك الحيادية الإعلامية كما يوهم أو يدعي البعض! و قد يكون وجود المستثمر العربي وبالأحرى الخليجي بالصورة الإعلامية العامة شبه معدوم وكأن دمه قد أبيح وأنه برميل بترول متحرك بالمال وأن الهمجية هي طبيعته، وللأسف نحن نقف كأشخاص منفردين مكتوفي الأيدي (كأن الأمر لا يعنينا وأنه يخص البعض). وأمام هذه النظرة الدونية وأمام حثالة مبرمجة وممنهجة من ابتزاز وإهانات بالسفارات والمطارات والأفلام للكبار والصغار والنظرة العامة التي انطبعت عنا أمام الداني والقاصي، بينما لو أن أحدا تهجم على أحد من اليهود في أي موقع في العالم لقام الإعلام والعالم الغربي كله ليتهمه بتهمة أنه معاد للسامية ويجرمه قضائيا واجتماعيا وإعلاميا!
إذا بالنسبة لنا ما فائدة قوة المال والاستثمار (إذا كنا ضمن أكبر اقتصادات العالم ومن ضمن 20 دولة وأكبر احتياطيات مالية عندهم وأكبر ممولين لهم وأضخم الحوالات البنكية العالمية من منطقتنا) خاصة إذا كان المال لا يخدم أهدافنا أو يعود بفائدة ملموسة على شعوب المنطقة وعلى مستوى الحقوق الإنسانية بل يجلب لنا المشاكل والسمعة السيئة والتعامل الابتزازي من جميع أطياف شعوبهم الشعبية والنخبوية وغيرها ولا يوجد لدينا من جانبهم أي ضمان أو حماية أو حقوق مصانة سواء كانت إعلامية أو قضائية لحماية سمعة ومكانة المستثمر العربي والمسلم؟ فكيف لا والحال أنني (المستثمر والممول) الذي أسعى إلى إنقاذهم من الإفلاس وإلى تشغيل مصانعهم وهم يلطخون باسمي وبديني وبعرقي ليلا ونهارا سرا وجهارا في كل منبر إعلامي؟
لقد حان الوقت لكي نعيد النظر في تعاملاتنا مع ذلك النظام المالي الغربي وأن نعيد ترتيب أوراقنا بأن تطالب الجهات المالية والنقدية بالمملكة ودول الخليج وعلى أعلى مستوى بأن تطالب بحقوفنا البشرية والإنسانية المرتبطة بكرامة الشخصية العربية والإسلاميه وأن لا نقبل أن نكون ضحايا لتصنيفات عرقية أو دينية يطلقونها علينا في كل مكان.
كما آن الأوان للمملكة أن نرفع سقف مطالبنا بالحقوق القانونية (لوبي رسمي في دولهم) وإعلامي وفي تلك الأموال التي حصلوا عليها دون وجه حق بحيث نحصل على تسهيلات مجانية تضاف للعائد المالي الحالي في ظل قانونهم المعروف ـ سوفت دولار ـSoft Dollar Agreement مثل نقل المعرفة والتقنية والتدريب والأنظمة المتطورة.. الخ، وبأن يضمنوا لنا حماية قانونية لأموالنا وشخصياتنا وديننا وقدسيته لتجنب ما حدث لنا من دروس الماضي المستفادة وأن يكون هناك لوبي إسلامي لحماية المسلمين وتجريم من يمس المقدسات الإسلامية ورموزها وقدسيتها وشعوبها.
كما أحث جميع رؤوس الأموال الخليجية من القطاع الخاص أن تستثمر فيما بينها بدول الخليج لما حباها الله من خير ومساحات وفرص استثمارية فريدة وجاذبة بجميع المعايير الاستثمارية العالمية وقد أثبتت الأيام أن استثمارات دول الخليج فيما بينها آمن من غيرها لما تتمتع به من استقرار سياسي وأمني وعرف مصرفي وقانوني معروف وراسخ ومقبول من أبناء جلدتها وأصول موجودة قريبة وملموسة من المستثمر وفي بلاد الإسلام والمسلمين وكما يقال المال الذي في بلادك هو لك و لأولادك!. ففرص الاستثمار أمامنا كثيرة وكبيرة ومغرية وتستطيع دول الخليج استيعابها ومن ثم في الدول العربية والإسلامية ونحن في زمن التكتلات المالية والاقتصادية والتحالف الإسلامي الاقتصادي لبناء سوق إسلامية مشتركة وخلق منتجات إسلامية تقوم على نظام مالي إسلامي حتى نكون قبلة للإنسانية وإنقاذها من نظام مالي غربي بشع المعالم وأضحى مخيفا ومجهول الهوية كما يقولون هم وخاصة (اكوبي الوال ستريت ـ محتلي سوق المال) متهالك، وهو في طريقه إلى الهاوية وأن لا ننتظر أن يقوم غيرنا بذلك وإلا فسوف يقوم غيرنا بتغليف النظام الإسلامي ومنتجاته لنا ومن ثم بيعه لنا وبأسعار عالية وشروط قاسية.
* خبير اقتصادي مالي
رئيس مجلس إدارة مجموعة السامي القابضة
إننا الآن نسمع عن الربيع المالي الغربي وشعارات تطالب بالإطاحة بالنظام المالي «يسقط النظام ـ الربيع المالي الغربي، حيث تمت الإطاحة برئيس وزراء اليونان وإيطاليا وقد يأتي الدور قريبا على آخرين»، حيث يترنح النظام في محاولة يائسة للسيطرة على أدواته المالية والنقدية ومن نتائج ذلك أن أصبحت الصكوك والسندات المصدرة من طرفه (النظام المالي الغربي) غير ذات جدوى للطرفين المستثمر (دول الخليج) من ناحية التقييم الاستثماري Based on Valuations- والمستلف / المدين (الدول الغربية وأمريكا) وذلك تماما كصب الزيت على النار، فقدت السياسية النقدية فعالية أهم أدواتها لا دارة الاقتصاد (الفائدة) Discount rate and Fed Rate أو بالتوسع أو الانكماش Expansion/ Contraction ومن الناحية المالية يتم استخدام مصطلح مالي جديد (التسهيل الكمي للمال Ease Quantitative Money أي المزيد من طباعة المال لتغطية العجز بدون أي قاعدة أو أساس مالي).
ولو أمعنا أكثر في الاستثمارات العربية وبالأحرى الخليجية والتي كانت تبحث في الماضي والحالي (تزيد على 1.5 تريليون دولار أمريكي (احتياطيات وأصول استثمارية وتغطية عملات واستثمارات سيادية وغير سيادية) وفي ظل توجه استثماري بتاريخ 5 ديسمبر 2011 من إحدى العواصم الخليجية صوب إحدى عواصم ذلك النظام الذي أصبح دينه يفوق إجمالي دخله بعرض استثماري يتجاوز التريليون دولار أمريكي !! (التريليون = 1000 بليون، البليون = 1000 مليون) لتمويله، لوجدنا أن هذا الأمر هو توجه غير واقعي ومستفز للفكر المالي والاقتصادي ولا يحمل أسبابا منطقية مقنعة لمواطنيه، نقول بالمصطلح المالي إنها أموال جيدة تلاحق أموالا رديئة في واقع رديء، والحال أشبه ما يكون في هذا المسار بعدم دراية للبعض وبأنه حلم وأمان لهم عن علوم مالية سابقة قد تبخرت مع متغيرات العالم الحالي المالية والسياسية والقضائية والإعلامية ولنكن أكثر تحديدا وباختصار: إن المتغيرات المالية في النظام الرأسمالي مخيفة وفي انحدار سريع لدرجة أننا أصبحنا نسمع ونرى إفلاس كيانات ودول عريقة، بل إن دولا أخرى كثيرة من ذلك النظام على شفا حفرة من منزلق الإفلاس ناهيك عن الانهيارات المالية والعقارية والصناعية والخسائر الفادحة ولجوء بعض الدول مثل أمريكا لبيع بعض من أصولها (جزيرة ملك للحكومة الأمريكية ـ ريبة من نيوجرسي معروضة للبيع لتتمكن من سداد جزء من خدمة دينها العام الذي تجاوز 16.2 تريليون دولار)، إنها أرقام تاريخية وضخمة ومخيفه بجميع المعايير خاصة أنها تمس النظام بهيكلته وليس بدوره الاقتصادي في ظل تزايد الدين العام المضطرد والذي ولا يلوح له بريق أمل إصلاح اللهم إلا الإصلاح الشكلي!.
أما عن المتغيرات السياسية فإن هذه الدول وعلى لسان أرفع قادتها كشفت عن حقيقتها وأصبحت تقول وبدون تردد أن مبادئها هي مصالحها ويحق لها أن تفعل ما تريد للحصول على موارد مصالحها، وأننا الآن أمام تغير جذري حيث إن هذه الدول كانت سابقا تلقي علينا محاضرات عن المبادئ في حقوق الإنسان والديموقراطية وتغني وتطالب بالسلام وحرية الإنسان للجميع وغيرها من المبادئ القيمة، إلا أنها الآن أصبحت على النقيض من ذلك التوجه سرا وعلانية وبدون أي تردد، وآخر تصريح في هذا المقام كان للمتقدم الرئيسي بالحزب الجمهوري الأمريكي جون مكين وقالها بوضوح تام: إن مصالحنا هي مبادئنا! فنحن عندما نستثمر في تلك الدول بأي من الأدوات المالية سواء كانت صكوكا أو سندات أو ملكية أو أسهما أو غيرها، فإننا في حقيقة الأمر ممولين لذلك النظام المجهول المعالم بوضعه الحالي وبمبادئه المستقبلية والذي هو في ذات الوقت القوي عسكريا وإعلاميا وقضائيا فكيف نضمن استرجاع حقوقنا المستثمرة فيه؟ وكل من استثمر لديه أو ظل على علاقة استثمارية معه هو في حقيقة الأمر دخل في معايير الإفلاس المالي حيث تجاوز نسبة دينه 100% نسبة دخله والحال أنه الأقوى في كل الجوانب فكيف أضمن أن أقرضه المبالغ ثم أطالبه باسترجاعها متى ما رغبت أو احتجت!
فمن الناحية القضائية وما تدعيه تلك الأنظمة الرأسمالية فهي مسخرة لأهدافه وبالرغم مما تدعيه من حيادية واستقلال للقضاء إلا أن الواقع من دروس الأيام يقول لنا إن العكس هو الصحيح ويجب أن لا ننسى القضايا المالية التي رفعت على بعض وإحدى أهم الدول العربية والاسلامية لمحاولة النيل من نظامها البنكي ورموز بلادها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ! ناهيك أنه لا تزال هناك العديد من القضايا المالية المستمرة التي ذهب ويذهب ضحيتها من تجار ورجال أعمال عرب وخاصة بدول الخليج حيث إن آخر قضية ذكرتها العربية نت تمثلت في خسارة لعائلة سعودية مرموقة وعريقة بالتجارة لمبلغ 383 مليون دولار أمريكي تبخرت لصالح أحد البنوك الأمريكية.
والمحزن في هذه القصص الحكومية والمؤسسية والفردية أنها تمس مدخرات أجيال عربية وإسلامية تتلاشى أمام وحشية نظام مالي ومصرفيين غربيين أقروا بأنفسهم بأن هذا النظام قد فقد أخلاقياته وأصبح علماء النفس الغربيون يشيرون بدراساتهم الأخيرة إلى المصرفيين الغربيين بأنهم كـ «القوارض والثعابين» فكيف نأمن من ثقافة عالمية قائمة على ذكاء الانتهاز والتصيد للآخرين تحت حجة القانون وعلى نظام أشهر سيف القضاء علينا وبأي حجة ودافع له لكي ينال ويحصل على ملكية أموالنا ومصادرتها بقوة قانونه لتوزيع الغنائم ونحن لا نرى أو نسمع على أرض الواقع عن مرجعية قضائية أو قوى موحدة عربية أو إسلامية خاصة لتدافع ولتحمي المدخرات العربية ورجال الأعمال العرب والمسلمين في العالم الغربي على غرار ما تفعله منظمات اليهود ـ ايباك.
أما من الناحية الإعلامية فالإعلام الغربي موجه بدون شك وبمهنية في بعض الأوقات وأحيانا بوحشية وكلتيهما لخدمة مصالحه وليست تلك الحيادية الإعلامية كما يوهم أو يدعي البعض! و قد يكون وجود المستثمر العربي وبالأحرى الخليجي بالصورة الإعلامية العامة شبه معدوم وكأن دمه قد أبيح وأنه برميل بترول متحرك بالمال وأن الهمجية هي طبيعته، وللأسف نحن نقف كأشخاص منفردين مكتوفي الأيدي (كأن الأمر لا يعنينا وأنه يخص البعض). وأمام هذه النظرة الدونية وأمام حثالة مبرمجة وممنهجة من ابتزاز وإهانات بالسفارات والمطارات والأفلام للكبار والصغار والنظرة العامة التي انطبعت عنا أمام الداني والقاصي، بينما لو أن أحدا تهجم على أحد من اليهود في أي موقع في العالم لقام الإعلام والعالم الغربي كله ليتهمه بتهمة أنه معاد للسامية ويجرمه قضائيا واجتماعيا وإعلاميا!
إذا بالنسبة لنا ما فائدة قوة المال والاستثمار (إذا كنا ضمن أكبر اقتصادات العالم ومن ضمن 20 دولة وأكبر احتياطيات مالية عندهم وأكبر ممولين لهم وأضخم الحوالات البنكية العالمية من منطقتنا) خاصة إذا كان المال لا يخدم أهدافنا أو يعود بفائدة ملموسة على شعوب المنطقة وعلى مستوى الحقوق الإنسانية بل يجلب لنا المشاكل والسمعة السيئة والتعامل الابتزازي من جميع أطياف شعوبهم الشعبية والنخبوية وغيرها ولا يوجد لدينا من جانبهم أي ضمان أو حماية أو حقوق مصانة سواء كانت إعلامية أو قضائية لحماية سمعة ومكانة المستثمر العربي والمسلم؟ فكيف لا والحال أنني (المستثمر والممول) الذي أسعى إلى إنقاذهم من الإفلاس وإلى تشغيل مصانعهم وهم يلطخون باسمي وبديني وبعرقي ليلا ونهارا سرا وجهارا في كل منبر إعلامي؟
لقد حان الوقت لكي نعيد النظر في تعاملاتنا مع ذلك النظام المالي الغربي وأن نعيد ترتيب أوراقنا بأن تطالب الجهات المالية والنقدية بالمملكة ودول الخليج وعلى أعلى مستوى بأن تطالب بحقوفنا البشرية والإنسانية المرتبطة بكرامة الشخصية العربية والإسلاميه وأن لا نقبل أن نكون ضحايا لتصنيفات عرقية أو دينية يطلقونها علينا في كل مكان.
كما آن الأوان للمملكة أن نرفع سقف مطالبنا بالحقوق القانونية (لوبي رسمي في دولهم) وإعلامي وفي تلك الأموال التي حصلوا عليها دون وجه حق بحيث نحصل على تسهيلات مجانية تضاف للعائد المالي الحالي في ظل قانونهم المعروف ـ سوفت دولار ـSoft Dollar Agreement مثل نقل المعرفة والتقنية والتدريب والأنظمة المتطورة.. الخ، وبأن يضمنوا لنا حماية قانونية لأموالنا وشخصياتنا وديننا وقدسيته لتجنب ما حدث لنا من دروس الماضي المستفادة وأن يكون هناك لوبي إسلامي لحماية المسلمين وتجريم من يمس المقدسات الإسلامية ورموزها وقدسيتها وشعوبها.
كما أحث جميع رؤوس الأموال الخليجية من القطاع الخاص أن تستثمر فيما بينها بدول الخليج لما حباها الله من خير ومساحات وفرص استثمارية فريدة وجاذبة بجميع المعايير الاستثمارية العالمية وقد أثبتت الأيام أن استثمارات دول الخليج فيما بينها آمن من غيرها لما تتمتع به من استقرار سياسي وأمني وعرف مصرفي وقانوني معروف وراسخ ومقبول من أبناء جلدتها وأصول موجودة قريبة وملموسة من المستثمر وفي بلاد الإسلام والمسلمين وكما يقال المال الذي في بلادك هو لك و لأولادك!. ففرص الاستثمار أمامنا كثيرة وكبيرة ومغرية وتستطيع دول الخليج استيعابها ومن ثم في الدول العربية والإسلامية ونحن في زمن التكتلات المالية والاقتصادية والتحالف الإسلامي الاقتصادي لبناء سوق إسلامية مشتركة وخلق منتجات إسلامية تقوم على نظام مالي إسلامي حتى نكون قبلة للإنسانية وإنقاذها من نظام مالي غربي بشع المعالم وأضحى مخيفا ومجهول الهوية كما يقولون هم وخاصة (اكوبي الوال ستريت ـ محتلي سوق المال) متهالك، وهو في طريقه إلى الهاوية وأن لا ننتظر أن يقوم غيرنا بذلك وإلا فسوف يقوم غيرنا بتغليف النظام الإسلامي ومنتجاته لنا ومن ثم بيعه لنا وبأسعار عالية وشروط قاسية.
* خبير اقتصادي مالي
رئيس مجلس إدارة مجموعة السامي القابضة
No comments:
Post a Comment