العدد: 7360 1435/02/01 الموافق: 2013-12-05
في مواجهة التحديات الاقتصادية .. الحج نموذجا
إننا لو نظرنا إلى وضعنا الاقتصادي العام في المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشرفين - حفظه الله - مقاليد الحكم منذ عام 2005 حتى تاريخه، وتزامناً مع التحسن الكبير لأسعار النفط الذي تجاوز الـ 100 دولار للبرميل في عدد من السنوات، ما نتج عن ذلك نمو اقتصادي كبير (من 1،4 تريليون ريال إلى ما يزيد على 2،8 تريليون ريال) وسداد ديون الدولة (من 365 مليارا إلى أقل من 90 مليار ريال) وبناء احتياطيات مالية فائضة خارجية (من 848 مليار ريال إلى 2،64 تريليون ريال) بما يشكل طفرة اقتصادية بجميع المعايير، والتي من المفروض كذلك أن تكون قوة اقتصادية كبيرة تحسب لمصلحة الوطن ورفاهية المواطن بين الأمم.
إلا أن الواقع لا يعكس ما هو مطلوب منه، فالكثيرون يشتكون من تردي الوضع الاقتصادي، منهم متذمر وبعضهم متضرر، وهناك من يقول نسمع ضجيجاً ولا نرى طحينا. والغريب في الأمر أن هذا التضجر والاستياء الاقتصادي يحدث بينما الاقتصاد الوطني يعيش أبهى حلله الاقتصادية من ازدهار ونمو، فكيف سيكون الحال لو حدث في الدورة الاقتصادية كساد اقتصادي فماذا سيكون الشعور وقتها؟
إن كل هذا يعتبر خللاً وفجوة اقتصادية بين الواقع والمأمول واضحة الملامح، وليس من المستبعد أن يرى حتى بعض أصحاب القرار الحكومي في الاقتصاد ذلك التناقض الكبير فيصاب بدهشة أو إحباط أيضا.
وقد يقول البعض إن أغلبية الإنفاق الحكومي والاستثمارات والمشاريع الحكومية هي بطبيعتها استثمارية رأسمالية وطويلة المدى ولا تعطي ثمارها إلا بعد العديد من السنين فلا يجوز الحكم عليها الآن مفترضين عدم استمرار تعثر المشاريع، وإذا ما كانت هذه المقولة مقبولة لدى البعض فلماذا لا تكون هناك أولويات للأمور الآنية التي تمس اقتصاد المواطن, وهو ينزف اقتصاديا بحيث يكون هناك توازن بين الحاجة الملحة من أمور تمس حياته اليومية ومشاريع قصيرة ومتوسطة المدى بدلاً من الاندفاع للزمن البعيد الآجل؟
لا نريد أن نضيف على ما يذكر ما حاجة المواطن وما همومه الاقتصادية التي أصبحت معروفة للجميع، المتمثلة في: تدني دخل الفرد، ديون استهلاكية فلكية، بطالة عالية، عدم امتلاك الأغلبية للسكن، فقر، وسوء الأحوال الصحية والتعليمية ومشكلات المواصلات والطرق، وتعثر مشاريع، وبيروقراطية حكومية مقيتة تميل في معظمها إلى ضياع المسؤولية واللامبالاة وسوق أسهم في غيبوبة منذ عام 2006، وسوق عقار أصبحت في ارتباك وحالة ترقب بين القرض والأرض، وسوق عمالة تترنح، وبنوك نائية بنفسها عن التنمية الاقتصادية، وعدم وجود بيئة تشريعات وأنظمة مالية حديثة تخدم الأهداف الاقتصادية وحاجة المواطن، وغيرها من الهموم الاقتصادية.
يقول بعض المؤرخين الاقتصاديين إن أغلبية هذه الأنظمة والقوانين المالية المعمول بها في المملكة لها جذور مستوردة من إبان عهد محمد علي باشا في مصر ولا نزال نعمل بها مع إضافة بعض التعاميم حتى تكونت لدينا ثقافة وعقلية تميل إلى تعقيد الأمور واتسام الأداء الحكومي بطابع التوجس والشك وضياع الوقت والمسؤولية والحصول دوماً على أكبر قدر ممكن من الضمانات، وبذلك ينشغل الأغلبية في عملية التأكيد والتفنن في التعقيدات، ومن ثم تكون النتيجة نسيان الهدف الاقتصادي الكبير والانشغال بصغائر الأمور بعيداً عن خدمة الوطن ورفاهية المواطن.
كما أن هناك مشكلة أخرى متمثلة في الاجتهاد لإصدار قرارات وفي معظمها للقفز على النتائج رغبة في حل المشكلات دون متابعة التسلسل والتدرج التنفيذي ومن ثم تأتي القرارات في أغلبيتها مبتسرة وناقصة، أو تكون متضاربة بين الوزارات المتعددة، بحيث تتصرف كل وزارة من وزاراتنا المرموقة وكأنها جزيرة ذات سيادة مستقلة عن الوطن، بذريعة أنها صاحبة المهمة الصعبة والاندفاع الوطني.
وكأن القرار أصبح نصاً مقدساً لا يجوز المساس به وأن يُترك للأيام لتحكم عليه دون أي اكتراث لعنصر الوقت والتكلفة. وقد تكون هذه مشكلة ذهنية وإدارية، لكنها في الوقت نفسه مدمرة إذا لم يتم الالتفات إليها ويمكن أن تؤدي بأهلها إلى التهلكة تماماً كمن يهدم بيته بيت العز بيده!
إن المشكلة
لا تكمن في وفرة أو ندرة المال ـــ ولله الحمد ـــ فالمال وفير لدى الدولة، خاصة في هذه المرحلة الذهبية من الدورة الاقتصادية التي نعيشها، لكن المشكلة تكمن في الخلل في إدارة المال، وعنصر الإدارة بصفة عامة وعدم وجود الاستراتيجيات الحديثة الشاملة والمنظومة الاقتصادية المتكاملة والمرتبطة مع جميع الوزارات الحكومية كترسانة واحدة حتى الوصول للمواطن والتواصل معه.
الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، فمثلاً نجد أن الدولة رصدت لوزارة الإسكان مبلغ 250 مليار ريال لتنفيذ 500 ألف وحدة سكنية منذ عام 2011، لكن لم ولن تستطيع وزارة الإسكان وحدها أن تقوم بهذه المهمة الوطنية على أرض الواقع (حل مشكلة الإسكان وتأمين سكن للمواطن )، وهذه هي الحقيقة والأيام ستكشف ذلك أكثر نظراً لعدم وجود ترابط اقتصادي وإلزامي يخول أي وزارة معنية بهدفها بريادة وقيادة جهات عديدة من الوزارات والجهات الحكومية.
ومثال آخر نرى فيه كيف وصل إليه مصير نظام الرهن العقاري الذي طال انتظاره فجلس المختصون يحضرون له لأكثر من عشر سنوات حتى كتبت عنه الصحف العالمية وطبعاً المحلية بوصفه الحدث الأكبر اقتصادياً، وحقيقة الأمر أنه بعد أكثر من عام من صدور قراره لم ير ذلك الحدث المنتظر واقعه وجدواه، وقد يكون ذلك لعدم ترابط الجهات الحكومية ولعدم وجود البنية التحتية المالية الكاملة والشاملة والبيئة التشريعية الحديثة وبالطرق الشرعية.
والأمثلة الاقتصادية كثيرة ومتعددة في هذا الصدد، والمشكلة الكبرى الأخرى تتمثل في غياب تمثيل صوت للمستهلك، فهو غائب ومبني للمجهول في واقعه (التطوير والإبداع وإيجاد الفكر الاقتصادي والتوعية والحماية والتشريعات والدفاع عنه وتنظيم وتبادل المعرفة وغيره) أسوة بالغرف التجارية للتجار أو غيرها من اتحادات، علماً بأن المستهلك/ المواطن الغائب هو قلب المعادلة الاقتصادية.
وفي الجانب الآخر من الصورة، هناك جانب مشرق نجد فيه نجاحات كبيرة يجب الاقتباس والاستفادة منه والبناء عليه، حيث إننا نجحنا وننجح في إدارة ''مواسم الحج'' بترتيب وتعاون وتنسيق واستراتيجيات بين جميع الوزارات الحكومية والجهات الرسمية وبرامج الطوارئ والمتابعة والدراسات والقيادة والريادة المبهرة في الجوانب كافة.
وهذا يقف خير دليل على أنه متى ما توافرت الإرادة والإدارة والمسؤولية الموحدة فإنها تكون بمنزلة المرجعية الناجحة ولتطبق في الجوانب الاقتصادية كافة التي تمس حياة المواطن لما لها من علاقة أمنية كبرى وأن نضعها في سلم الأولويات.
علماً أن إدارة موسم الحج أصعب من جميع المسائل الاقتصادية وأدق في مكانتها الدينية ولها خصوصية ومحدودية في الزمن والمكان والتحرك وتشمل أيضاً جميع التحديات الاقتصادية المذكورة.
وأقترح الاستفادة من الترتيب الإداري والتنفيذي ذاته الموجه لمواسم الحج ليستوعب ترتيبات مماثلة لمعالجة الأمور الاقتصادية التي هي لا تقل أهمية عن الأمن السياسي وأن تدار بالوسائل الإدارية نفسها وألا يُترك الجانب الاقتصادي وتحدياته كما هو عليه الآن لكل وزارة شأن يعنيها بينما يمضي الوقت والفرص تضيع والتحديات تزيد ونتوقع نتائج مختلفة في حين أن الأسلوب هو نفسه بدون أي تغير والمتضرر من ضياع الوقت ومعالجة الأمور - لا سمح الله - في النهاية هو الوطن والمواطن.
No comments:
Post a Comment